نور الأئمة عليهم السلام
اهلا ومرحبا بالمؤمنين والمؤمنات في هذا الصرح الأسلامي والأيماني موقع نور الأئمة عليهم السلام
نور الأئمة عليهم السلام
اهلا ومرحبا بالمؤمنين والمؤمنات في هذا الصرح الأسلامي والأيماني موقع نور الأئمة عليهم السلام
نور الأئمة عليهم السلام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


نور الأئمة عليهم السلام رمز ايماني يمثل الثورة البطولة الشهادة والتضحية من اجل الحق ومجابهة الظلم والظالمين
 
الرئيسيةالبوابةالأحداثأحدث الصورالمنشوراتالتسجيلدخول
رحم الله من قراء سورة الفاتحةالمباركه لاأرواح المؤمنين والمؤمنات تسبقها الصلاة على محمد وآل محمد آللَّهُمَّے صَلِّے عَلَى مُحَمـَّدٍ وآلِے مُحَمـَّدٍ بسْمِ اڶڶّہ اڶرَّحْمَنِ اڶرَّحِيمِ ۞ اڶْحَمْدُ ڶڶّہِ رَبِّ اڶْعَالَمِينَ ۞ اڶرَّحْمنِ اڶرَّحِيمِ ۞ مَاڶِڪِ يَۈْمِ اڶدِّينِ ۞ ِإِيَّاڪَ نَعْبُدُ ۈإِيَّاڪَ نَڛْٺَعِينُ ۞ إهدِنَا اڶصِّرَاطَ اڶمُڛٺَقِيمَ ۞ صِرَاطَ اڶَّذِينَ أَنعَمٺَ عَڶَيهِمْ غيرِالمَغضُوبِ عَڶَيهِمْ ۈَڶاَ اڶضَّاڶِّين ۞
مواضيع مماثلة
بحـث
 
 

نتائج البحث
 

 


Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» سيرة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام سيرة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
حياة العبّاس بن علي علیه السلام - الجزء السادس  Icon_minitimeالسبت يونيو 11, 2022 4:13 pm من طرف نور الأئمة

» أهل البيت عليهم السلام
حياة العبّاس بن علي علیه السلام - الجزء السادس  Icon_minitimeالجمعة ديسمبر 18, 2020 7:07 am من طرف نور الأئمة

» أهل البيت عليهم السلام
حياة العبّاس بن علي علیه السلام - الجزء السادس  Icon_minitimeالجمعة ديسمبر 18, 2020 12:47 am من طرف نور الأئمة

» أهل البيت عليهم السلام
حياة العبّاس بن علي علیه السلام - الجزء السادس  Icon_minitimeالجمعة ديسمبر 18, 2020 12:46 am من طرف نور الأئمة

» أهل البيت عليهم السلام
حياة العبّاس بن علي علیه السلام - الجزء السادس  Icon_minitimeالجمعة ديسمبر 18, 2020 12:46 am من طرف نور الأئمة

» أهل البيت عليهم السلام
حياة العبّاس بن علي علیه السلام - الجزء السادس  Icon_minitimeالجمعة ديسمبر 18, 2020 12:46 am من طرف نور الأئمة

» أهل البيت عليهم السلام
حياة العبّاس بن علي علیه السلام - الجزء السادس  Icon_minitimeالجمعة ديسمبر 18, 2020 12:45 am من طرف نور الأئمة

» أهل البيت عليهم السلام
حياة العبّاس بن علي علیه السلام - الجزء السادس  Icon_minitimeالجمعة ديسمبر 18, 2020 12:45 am من طرف نور الأئمة

» أهل البيت عليهم السلام
حياة العبّاس بن علي علیه السلام - الجزء السادس  Icon_minitimeالجمعة ديسمبر 18, 2020 12:45 am من طرف نور الأئمة

ازرار التصفُّح
 البوابة
 الرئيسية
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 بحـث
منتدى
التبادل الاعلاني
ازرار التصفُّح
 البوابة
 الرئيسية
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 بحـث
ازرار التصفُّح
 البوابة
 الرئيسية
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 بحـث

 

 حياة العبّاس بن علي علیه السلام - الجزء السادس

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
نور الأئمة
المدير العام للمنتدى
نور الأئمة


عدد المساهمات : 245
تاريخ التسجيل : 15/10/2010

حياة العبّاس بن علي علیه السلام - الجزء السادس  Empty
28052015
مُساهمةحياة العبّاس بن علي علیه السلام - الجزء السادس

نشأته
ممّا لا شكّ فيه أنّ لنفسيات الآباء ونزعاتهم وكمياتهم من العلم والخطر أو الانحطاط والضعة دخلاً تاماً في نشأة الأولاد وتربيتهم، إنّ لم نقل إنّ مقتضاهما هو العامل الوحيد في تكيّف نفسيات الناشئة، بكيفيات فاضلة أو رذيلة، فلا يكاد يرتأي صاحب أي خطة إلاّ أن يكون خلفه على خطته، ولا أن الخلف يتحرّى غير ما وجد عليه سلفه، ولذلك تجد في الغالب مشاكلة بين الجيل الأول والثاني في العادات والأهواء والمعارف والعلوم، اللهمّ إلاّ أن يوسد هناك تطوّر يكبح ذلك الاقتضاء.
وعلى هذا الناموس يسعنا أن نعرف مقدار ما عليه أبو الفضل (عليه السلام) من العلم والمعرفة وحسن التربية بنشوئه في البيت العلوي، منبثق أنوار العلم، ومحط أسرار اللاهوت، ومختبأ نواميس الغيب، فهو بيّت العلم والعمل، بيت الجهاد والورع، بيت المعرفة والإيمان:
بَيّتُ عَلاَ سَمكُ الضِراحُ رِفعَةً فَكانَ أعَلاَ شَرفَاً وأمَنعَا
أعزَهُ اللّهُ فَما تَهبِطُ فِي كَعبَتهِ الأملاكُ إلاّ خَضعَاً
بَيّتُ مِن القدّس ونَاهيِك بِهِ مَحطُ أسرِارِ الهُدى ومَوضِعَا
وكَان مأوى المُرتَجي والمُلتَجى فَما أعزّ شَأنهُ وأرفَعَا(266)
وبسيف صاحب هذا البيت المنيع انجلت غواشي الإلحاد، وببيانه تقشّعت غيوم الشبّه والأوهام.
إذن، فطبع الحال يدلّنا على أنّ سيّد الأوصياء لم يبغِ بابنه بدلاً في حسن التربية الإلهية، ولا أنّ شظية الخلافة يروقه غير اقتصاص أثر أبيه الأقدّس، فلك هاهنا أن تحدّث عن بقيّة أمير المؤمنين في أيّ ناحية من نواحي الفضيلة، ولا حرج.
لم تكن كُلِّ البصائر في أبي الفضل (عليه السلام) اكتسابية، بل كان مجتبلاً من طينة القدّاسة التي مزيجها النور الإلهي، حتّى تكونت في صُلّب من هو مثال الحقّ، ذلك الذي لو كشف عنه الغطاء ما ازداد يقيناً، فلم يصل أبو الفضل (عليه السلام) إلى عالم الوجود إلاّ وهو معدن الذكاء والفطنة، وأُذن واعية للمعارف الإلهية، ومادة قابلة لصور الفضائل كُلّها، فاحتضنه حجر العلم والعمل، حجر اليقين والإيمان، وعادت أرومته الطيّبة هيكلاً للتوحيد، يغذّيه أبوه بالمعرفة، فتشرق عليه أنوار الملكوت، وأسرار اللاهوت، وتهب عليه نسمات الغيب، فيستنشق منها الحقائق.
دعاه أبوه (عليه السلام) في عهد الصبا وأجلسه في حجره وقال له:
" قل واحد! فقال: واحد، فقال له: قل إثنين! قال: استحي أن أقول إثنين باللسان قلت واحداً إثنان "(267).
وإذا أمعنّا النظر في هذه الكلمة ـ وهو على عهد نعومة من أظفاره في حين أنّ نظراءه في ألسن لا يبلغون إلى ما هو دون ذلك الشأو البعيد ـ فلا نجد بدأ من البخوع بأنّها من أشعة تلك 
الإشراقات الإلهية، فما ظنّك إذن حينما يلتقي مع المبادئ الفيّاضة من أبيه سيّد الوصيين، وأخويه الإمامين سيّدي شباب أهل الجنّة، فلا يقتني من خزائن معارفهم إلاّ كُلّ دُرّ ثمين، ودرّي لامع.
وغير خفيّ ما أراده سيّدنا العبّاس، فإنّه أشار إلى أنّ الوحدانية لا تليق إلاّ بفاطر السموات والأرضين، ويجلّ مثله المتفرّع من دوح الإمامة أن يجري على لسانه الناطق بالوحدانية لباري الأشياء صفة تنزّه عنها سبحانه وتعالى وعنها ينطق كتابه المجيد: { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاّ اللّهُ لَفَسَدَتَا }(268).
وممّا زاد في سرور أبيه أمير المؤمنين أنّ زينب العقيلة كانت حاضرة حينذاك وهي صغيرة فقالت لأبيها أتحبّنا؟ قال: بلى، فقالت: لا يجتمع حبّان في قلب مؤمن: حبّ اللّه، وحبّ الأولاد، وإن كان ولا بدّ فالحبّ للّه تعالى والشفقة للأولاد، فأعجبه كلامها وزاد في حُبّه وعطفه عليهما(269).
أمّا العلم ; فهو رضيع لبانه، وناهيك في حجر أبيه مدرسة يتخرّج منها مثل أبي الفضل (عليه السلام)! وما ظنّك بهذا التلميذ المصاغ من جوهر الاستعداد، وذلك الأُستاذ الذي هو عيّبة العلم الإلهي، وعلبة أسرار النبوّة، وهو المقيّض لنشر المعارف الربوبية، وتعلم الأخلاق الفاضلة، ونشر أحكام الإسلاّم، ودحض الأوهام والوساوس.
وإذا كان الإمام (عليه السلام) يُربّي البعداء الأجانب بتلك التربية الصحيحة المأثورة، حتّى استفادوا منه آسار التكوين، ووقفوا على غامض ما في النشأتين، وكان عندهم بواسطة تلك التربية علم المنايا والبلايا، كحبيب بن مظاهر، وميثم التمّار، ورشيد الهجري، وكميل بن زياد، وأمثالهم ; فهل من المعقول أن يذر قرّة عينّه، وفلذة كبده خلواً من أي علم؟!
أو أن قابلية المحلّ تربى بأولئك الأفراد دون سيّدنا العبّاس (عليه السلام)؟
لا واللّه، ما كان سيّد الأوصياء يضنّ بشيء من علومه، لا سيّما على قطعة فؤاده، ولا أنّ غيره ممّن انضوى إلى أبيه علم الهداية يشقّ له غباراً في القابلية والاستعداد.
فهنالك التقى مبدأ فيّاض، ومحلّ قابل للإفاضة، وقد ارتفعت عامّة الموانع، فذلك برهان على أنّ " عباس اليقين " من أوعيّة العلم، ومن الراسخّين فيه.
ثُمَّ هلمّ معي إلى جامعتين للعلوم الإلهية، ملازمتين للجامعة الأُولى في نشر المعارف، وتقيضهما لإفاضة التعاليم الحقّة لكُلِّ تلميذ، والرقي به إلى أوج العظمة في العلم والعمل، ألا وهما " كليّتا " السبطين الحسن والحسين (عليهما السلام). وانظر إلى ملازمته لأخويه بعد أبيه سيّد الأوصياء، ملازمة الظلّ لديه، فهناك يتجلّى لكَ أنّ سماء علمهما لم تهطل وبالاً إلاّ وعاد لؤلؤاً رطباً في نفسه، ولا أنفقا شيئاً من ذلك الكنز الخالد إلاّ واتخذه ثروة علميّة لا تنفد.
أضف إلى ذلك ما كان يرويه عن عقيلة بيت الوحي، زينب الكبرى، وهي العالمة غير المعلّمة بنصّ الإمام زين العابدين(270).
وبعد هذا كُلِّه، فقد حوى أبو الفضل من صفاء النفس، والجبلّة الطيّبة، والعنصر الزاكي، والإخلاص في العمل، والدؤوب على العبادة ; ما يفتح له أبواباً من العلم، ويوقفه على كنوز المعرفة، فيتفرّع من كُلِّ أصل فرع، وتنحلّ عنده المشكلات.
وإذا كان الحديث ينصّ على أنّ مَن أخلص للّه أربعين صباحاً انفجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه، إذن فما ظَنّك بمن أخلص للّه سبحانه طيلة عمره، وهو متخلّ عن كُلِّ رذيلة، ومتحلِّ بكُلِّ فضيلة، فهل يبقى إلاّ أن تكون ذاته المقدّسة متجلّية بأنوار العلوم والفضائل، وإلاّ أن يكون علمه تحقّقاً لا تعلّقاً؟!
وبعد ذلك فما أوشك أن يكون علمه وجدانياً، وإن برع في البرهنة وتنسيق القياس، ومن هنا جاء المأثور عن المعصومين (عليهم السلام): " إنّ العبّاس بن علي زُقَّ العِلمُ زقاً "(271).
وهذا من أبدع التشبيه والاستعارة، فإنّ الزقّ يستعمل في تغذية الطائر فرخه حين لم يقوِ على الغذاء بنفسه، وحيث استعمل الإمام (عليه السلام) ـ وهو العارف بأساليب الكلام ـ هذه اللفظة هنا، نعرف أنّ أبا الفضل (عليه السلام) كان محلّ القابلية لتلقي العلوم والمعارف، منذ كان طفلاً ورضيعاً، كما هو كذلك بلا ريب.
فلم يكن أبو الفضل بِدْعَاً من أهل هذا البيت الطّاهر الذي حوى العلم المتدفّق منذ الصغر، كما شهد بذلك أعداؤهم، ففي الحديث عن الصادق (عليه السلام):
أنّ رجلاً مرّ بعثمان بن عفان وهو قاعد على باب المسجد، فسأله، فأمر له بخمسة دراهم، فقال له الرجل: أرشدني، قال عثمان: دونك الفتية الذين تراهم، وأومأ بيده إلى ناحية من المسجد فيها الحسن والحسين وعبد اللّه بن جعفر، فمضى الرجل نحوهم وسألهم، فقال له الحسن: يا هذا، المسألة لا تحلّ إلاّ في ثلاث: دم مفجع، أو دين مقرح، أو فقر مدقع، أيّتها تسأل؟ فقال: في واحدة من هذه الثلاث، فأمر له الحسن بخمسين ديناراً، والحسين بتسعة وأربعين ديناراً، وعبد اللّه بن جعفر بثمانية وأربعين، فانصرف الرجل ومرّ بعثمان، فحكى له القصّة وما أعطوه، فقال له: ومَن لك بمثل هؤلاء الفتية، أولئك فطموا العلم فطماً، وحازوا الخير والحكمة.
قال الصدوق بعد الخبر: " معنى (فطموا العلم): أي قطعوه عن غيرهم وجمعوه لأنفسهم "(272).
وجاء في الأثر: أنّ يزيد بن معاوية قال في حقّ السجاد: " إنّه من أهل بيت زقوا العلم زقاً ".
ومن أجل ذلك قال العلاّمة المحقّق الفقيه المولى محمّد باقر ابن المولى محمّد حسن ابن المولى أسد اللّه ابن الحاج عبد اللّه ابن 
الحاج علي محمّد القائني، نزيل برجند، في كتاب الكبريت الأحمر ج3 ص45: " إنّ العبّاس من أكابر وأفاضل فقهاء أهل البيت، بل إنّه عالم غير متعلّم، وليس في ذلك منافاة، لتعليم أبيه (عليه السلام) إياه ".
وكان هذا الشيخ الجليل ثبتاً في النقل، منقّباً في الحديث، يشهد بذلك كبريته، تتلمذ (رحمه الله) في العراق على الفاضل الإيرواني، وميرزا حبيب اللّه الرشتي، والسيّد الشيرازي، وفي خراسان على السيّد مرتضى القائني، والعلاّمة محمّد تقي البجنردي، وكان له أربعة وثلاثون مؤلفاً.
ومن مستطرف الأحاديث ما حدّثني به الشيخ العلاّمة ميرزا محمّد علي الأُردبادي، عن حجّة الإسلاّم السيّد ميرزا عبد الهادي آل سيّد الأُمة الميرزا الشيرازي (قدس سره)، عن العالم البارع السيّد ميرزا عبد الحميد البجنردي، أنّه شاهد في كربلاء المشرّفة رجلاً من الأفاضل قد اغترّ بعلمه، وبلغ من غلوائه في ذلك أنّه كان في منتدى من أصحابه وجرى ذكر أبي الفضل، وما حمله من المعارف، الإلهية التي امتاز بها على سائر الشهداء، فصارح الرجل بأفضليته على العبّاس! واستغرب من حضر هذه الجرأة، وانكروا عليه، ولا موه على هذه البادرة، فطفق الرجل يبرهن على تهيئته بتعداد مآثره وعلومه، وما ينوء به من تهجّد وتنفل وزهادة، وقال: إن كان أبو الفضل العبّاس يفضل بأمثال هذه فعنده مثلها، والشهادة يوم الطفّ لا تقابل ما تحمله من العلوم الدينية وأُصولها ونواميسها.
فقام الجماعة من المجلس والرجل على ذلك الغرور والغلواء، غير نادم ولا متهيب.
ولمّا أصبحوا لم يكن لهم هَمّ إلاّ معرفة خبر الرجل، وأنّه هل بقي على غيّه أو أنّ الهداية الإلهية شملته؟ فقصدوا داره وطرقوا الباب، فقيل لهم: إنّ الرجل في حرم العبّاس، فتوجّهوا إليه ليستبروا خبره، فإذا الرجل قد ربط نفسه في الضريح الأقدّس بحبل شدّ طرفه بعنقه والآخر بالضريح، وهو تائب نادم ممّا فرط.
فسألوه عن شأنه وخبره؟ فقال: لمّا نمت البارحة، وأنا على الحال الذي فارقتكم عليه، رأيت نفسي في مجتمع من أهل الفضل، وإذا رجل دخل النادي وهو يقول: إنّ أبا الفضل قادم عليكم، فأخذ ذكره من القلوب مأخذاً حتّى دخل (عليه السلام) والنور الإلهي يسطع من أسارير جبهته، والجمال العلوي يزهو في محيّاه، فاستقرّ على كرسي في صدر النادي، والحضور كُلّهم خاضعون لجلالته، وخصتني من بينهم رهبة عظيمة، وفرق مقلق، لما أتذكّره من تفريطي في جنّب ولي اللّه، فطفق (عليه السلام) يحيّي أهل النادي واحداً واحداً حتّى وصلت النوبة إليّ.
ثُمّ قال لي: ماذا تقول أنت؟ فكاد أن يرتجّ عليّ القول، ثُمّ راجعت نفسي وقلت: في المصارحة منتدحاً عن الارتباك وفوزاً بالحقيقة، فأنهيت إليه ما ذكرته لكم بالأمس من البرهنة.
فقال (عليه السلام): أمّا أنا فقد درست عند أبي أمير المؤمنين وأخوي الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام)، وأنا على يقين من ديني بما تلقّيته من مشيختي من الحقائق ونواميس الإسلاّم، وأنت شاكّ في دينك، شاك في إمامك، أليس الأمر هكذا؟ فلم يسعني إنكار ما يقوله.
ثُمّ قال (عليه السلام): وأمّا شيخك الذي قرأت عليه، وأخذت منه فهو أتعس منك حالاً، وما عسى أن يكون عندك من أُصول وقواعد مضروبة للجاهل بالأحكام، يعمل بها إذا أعوزه الوصول إلى الواقع، وإنّي غير محتاج إليها، لمعرفتي بواقع الأحكام من مصدر الوحي الإلهي.
ثُمّ قال (عليه السلام): وفيّ نفسيات كريمة، وأخذ يعددها: من كرم، وصبر، ومواساة، وجهاد إلى غيرها، ولو قسّمت على جميعكم لما أمكنك حمل شيء منها.
على أنّ فيك ملكات رذيلة من حسد، ومراء، ورياء، ثُمّ ضرب بيده الشريفة على فمّ الرجل، فانتبه فزعاً نادماً، معترفاً بالتقصير، ولم يجد منتدحاً إلاّ بالتوسل بهِ، والإنابة إليه، صلوات اللّه عليه وعلى آبائه.

اليقين
لقد كان أبو الفضل (عليه السلام) أحد الأفذاذ العلويين الذين لم تكن المفاخر مزايا زائدة على ذاتّياتهم وإن مدحوا بآثارها ; لأنهم زبد المخض، حازوا شرف النبوّة، وفضيلة الخلافة، تتنضد بهم حمل العلم، وتعتدل موازين العمل، وتترنّح بهم صهوات المنابر.
فكان سلام اللّه عليه متربّعاً على منصّة المجد، ومِلْءُ الندي هيبة، ومِلْءُ العيون بهجة، ومِلْءُ المسامع ذكره الجميل، ومِلْءُ القلوب محبة، وحشو اهابه علم وعمل، وحشو الردى سؤدد وشرف.
وإن الإحاطة بما حواه من اليقين الثابت والبصيرة النافذة بأحد طريقين!
الأوّل: سبر أحواله، ومواقع إقدامه وإحجامه، ومواضع بطشه وإناته، وموارد صفحه وانتقامه. ولا بدّ أن يكون المنقّب عند ذلك مميزاً بين مدراج الرأي ومساقط الخطل، بصيراً بمراقي الحلم ومهاوي البطش.
والثاني: إخبار مَن وقف على ذلك، بمباشرة وافية، وعلم متسع، تم شكله وظهر إنتاجه، أو تعليم إلهي، أو أخذ عمّن له صلة بذلك التعليم.
وغير خفي أنّ قمر بني هاشم ملتقى ذينك الطرفين، في البصيرة واليقين، في دينه وعقله، في معارفه وأخلاقه، في حلّه 
وارتحاله، وكان ينظر إلى جملة الأحوال بين البصيرة التي تخرق الحجب وتبصر ما وراءها من أسرار وخبايا، لا بناظر البصر الذي تحجبه الحواجز، وتمنعه السدول، فيرد عن الإدراك خاسئاً، فلا يكون أمر تهالك دونه إلاّ بعلم ثابت، ويقين راسخ، وإيمان لا يشوبه شك، فإنّه:
سِرّ أبيهِ وهَوُ سرّ البَاريِ مَلِيكُ عَرش عَالِمُ الأسَرارِ
وارِثُ مَن حَازَ مَواريِثَ الرُسلِ أبَوُ العُقُولِ والنَفُوسِ والمُثُلِ
وكَيفَ لا وَذاتُهُ القُدّسيةِ مَجمُوعةُ الفَضائِلِ النفسيّةِ
لقد كان أبو الفضل يعرف العراقيين ونزعات أهل الكوفة، منذ عهد أبيه وأخيه السبط المجتبى، بالتجارب الصحيحة، وإنّهم تجمعهم الأماني، وتفرّقهم الرضائخ، ويشاهد الأمويين وقوّة سلطانهم، وتوغّلهم في إراقة الدماء، وبطشهم في الناس، وطيشهم في الأُمور، ويرى ضعف جانب (أبي الضيم (عليه السلام))، وقلّة أنصاره، وطبع الحال يحدو مثله إلى التحيّز إلى فئة أُخرى، والأقل من التقاعد عن أيّ الفريقين، وما كان مثله لو سالم الأمويين يعدم ولاية أو قيادة لجيوشهم، أو عيشة راضية يقضي بها أيامه.
لكنّ " عباس اليقين " لم يكن له طمع في شيء من حطام الدنيا، فلم يرقه إلاّ الالتحاق بأخيه سيّد الشهداء، موطناً نفسه الكريمة لأي كارثة أو شدّة مؤلمة.
هذا والتكهّن بمصير أمر الحسين (عليه السلام) في مسيره نصب عينه، والمغّيبات المأثورة عن رسول اللّه وأمير المؤمنين والمسموعات من أخويه الإمامين مِلْءُ أُذنه، فلم يبرح مع " أخيه الشهيد " يفترع ربوة ويسف إلى واد، لا يرى في هاتيك الثنايا والعقبات إلاّ تصديقاً 
لما عرفه، ويقيناً بمنتهى أمره وغايته، حتّى بلغهم نبأ فاجعة مسلم بن عقيل، فعرف القوم انثيال الكوفيين عن الحقّ ورضوخهم إلى حكم الطاغية، هنالك خارت العزائم، وأخفقت الظنون، وطفق أهل المطامع والشره يتفرّقون عن السبط المقدّس، يميناً وشمالاً(273)، إلاّ من حداهم إلى المسير حقّ اليقين، وفي الطليعة منهم سيّدنا العبّاس، فإنّه لم يزدد إلاّ بصيرة في النهضه الكريمة، وسروراً بأزوف الغاية المتوخّاة.
فسار به وبهم " شهيد العظمة "، وهو لايشاهد، كما أنّهم لايرون كُلّما قربوا من الكوفة إلاّ تدبّر الناس وتألبّهم عليهم، وتتوارد عليهم الأنباء بما هو أشدّ، لكن لم يثن ذلك من عزائمهم شيئاً ولا يكدي أملاً، بل كانوا يخفّفون الخطا، ويسرعون السير، لينتهوا إلى معانقة الرماح، ومصافحة الصفاح، أكثر ممّا يسرع الصب إلى الخود الرداح، ومرشدهم إلى ذلك بعد إمام الهدى (أبو الفضل).
رَكبُ حِجَازيِوُنَ بَينَ رِحَالِهم تَسرِي المَنَايَا انجَدوُا أو اتهَمُوا
يَحدُونَ فِي هَزجِ التِلاوُةِ عَيسهِم والكُلِّ فِي تَسَبِيِحهِ يَترَنّمُ


الأصحاب
هبط موكب العظمة عراص الغاضريات، وهو يضمّ الفتية من آل عبد المطلب، والأُباة الصفوة من الأصحاب، فكانوا فرحين بما أتاهم المولى من فضله، واختصّهم به من المنحة الكبرى، حيثُ جعل أثر ميتتهم حياة للدين ومدحرة للأضاليل، فكانوا رضوان اللّه عليهم بما أودع اللّه تعالى فيهم من النيات الصادقة لايهابون في سبيل السير إليه تعالى عقبة كأداء، أو نبأً موحشاً ; من تخاذل القوم، وتدابر النفوس، وتضاءل القوى، لما عرفوه من أنّها موهبة لا يحظى بها إلاّ الأمثل فالأ مثل، فقابلوا الأخطار بجأش طامن، وجنّان ثابت، لا تزجره أيّ هائلة، وكُلّما اشتدّ المأزق الحرج أعقب فيهم انشراحاً وانبساطاً، بين ابتسامة ومداعبة، ومن فرح إلى نشاط.
وَمُذ أخَذَت فِي نَينَوى مِنهُم النَوُى ولاَحَ بِهَا للغَدرِ بَعضُ الَعلاَئِمِ
غَدا ضَاحِكَاً هَذَا وذَا مُتبّسماً سُروُراً ومَا ثَغرُ المَنُونِ بَبِاسِمُ(274)
هازل برير بن خضير عبد الرحمن الأنصاري، فقال له عبد الرحمن: " ما هذه ساعة باطل! فقال برير: واللّه لقد علم قومي أنّي ما أحببت الباطل شاباً ولا كهلاً، ولكنّي لمستبشر بما نحن لاقون، واللّه ما بيننا وبين الحور العين إلاّ أن يميل علينا هؤلاء بأسيافهم، ولوددت أنّهم مالوا علينا الساعة "(275).
وخرج حبيب بن مظاهر يضحك، فقال له يزيد بن الحصين: " ما هذه ساعة ضحك! قال حبيب: وأيّ موضع أحقّ بالسرور من هذا؟! ما هو إلاّ أن يميل علينا هؤلاء الطغاة بسيوفهم فنعانق الحور "(276).
وناهيك بعباس بن أبي شبيب الشاكري حينما برز إلى الحرب، وقد أحجم القوم عنه ; لأنّهم عرفوه بالإقدام والبسالة، فلمّا رأى أنّه لم يبارزه أحد ألقى ما عليه من درع ولامة، فاغتنمها القوم فرصة، ومع ذلك لم يبرز إليه أحد، يكنّهم رموه بالسهام والحجارة، وأنّه ليطرد أكثر من مائتين، فرحاً مبتهجاً بما يلاقيه من حبور ونعيم.
وإنّي لأعجب من الرواة حملة التاريخ إذا توسّعوا في النقل وقذفوا أُولئك الأُباة الصفوة، والغلب المصاليت، بما تندى منه وجه الإنسانية، ويأباه الوجدان الصادق، فقيل: " كان القوم بحالة ترتعد فرائصهم، وتتغيّر ألوانهم، كُلِّما اشتدّ الحال، وضاق المجال، إلاّ الحسين فإنّ أسرّة وجهه تشرق كالبدر المنير "(277).
وذلك بعد أن أعوزتهم الوقعة في شهيد الإباء، فلم يجدوا للغمز فيه نصيباً، فمالوا على أصحابه وأهل بيته الذين قال فيهم الإمام (عليه السلام): " إنّي لا أعلم أصحاباً خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبرّ وأوفى من أهل بيتي "(278)، " وقد استلمتهم فما وجدت فيهم إلاّ الأشوس الأقعس، يستأنسون بالمنيّة دوني، استيناس الطفل إلى محالب أُمه "(279).
وليس ذلك إلاّ من الداء الدفين بين أضالع قوم دافوا السمَّ في الدّسم، إلى سذج آخرين حسبوه حقيقة راهنة، فشوّهوا وجه التاريخ، غير أنّ البصير الناقد لا تخفى عليه نفسية القوم، ولا ما جاؤوا به.
وأعجب من ذلك قول محفر ليزيد: " إنّا أحطنا بهم، وهم يلوذون عنّا بالآكام والحفر، لواذ الحمام من الصقر "(280).
بفيك الكثك أيّها القائل، كأنّك لم تشاهد ذلك الموقف الرهيب، فترى ما للقوم من بسالة وإقدام ومفادات دون الدين الحنيف، حتّى أغفل يومهم مع ابن المصطفى أيام صفّين وما شاكلها من حروب دامية، ووقائع هائلة، وحتّى أخذت أندية الكوفة لا تتحدّث إلاّ عن شجاعتهم.
أجل، إنّ تلك الأهوال أدهشتك، فلم تدرِ ما تقول، أو إنّ الشقّة بعدت عليك فنسيت ما كان، ولكن هل غاب عن سمعك 
صراخ الأيامى، وعويل الأيتام في دور الكوفة، حتّى طبق أرجاءها من جراء ما أوقعه أُولئك الصفوة بأعداء اللّه ورسوله، بسيوفهم الماضيّة. والعذر لك أنّك أدركت ساعة العافية، فطفقت تشوّه مقامهم المشكور، طلباً لمرضاة (يزيد الخمور).
ولقد صرّح عن صدق نيّاتهم وإخلاصهم في التضحية عدوهم الألدّ عمرو بن الحجّاج محرّضاً قومه: " أتدرون من تقاتلون؟! تقاتلون فرسان المصر، وأهل البصائر، تقاتلون قوماً مستميتين، لا يبرز إليهم أحد منكم إلاّ قتلوه، على قلتهم، واللّه لو لم ترموهم إلاّ بالحجارة لقتلتموهم، فقال عمر بن سعد: قد صدقت الرأي، ما رأيت أرسل في الناس من يعزم عليهم أن لا يبارزهم رجل منهم "(281)، " ولو خرجتم إليهم وحداناً لاتوا عليكم "(282).
وقيل لرجل شهد يوم الطفّ مع عمر بن سعد: " ويحك أقتلتم ذرية رسول اللّه؟
فقال: عضضت بالجندل، إنّك لو شهدت ما شهدنا لفعلت ما فعلنا، ثارت علينا عصابة أيديها في مقابض سيوفها كالأُسود الضارية، تحطّم الفرسان يميناً وشمالاً، وتلقي أنفسها على الموت، لا تقبل الأمان، ولا ترغب في المال، ولا يحول حائل بينها وبين حياضّ المنيّة، أو الاستيلاء على الملك، فلو كففنا عنها رويداً لأتت على نفوس العسكر بحذافيرها، فما كنّا فاعلين لا أُم لك؟ "(283).
وأيّ فرد منهم أقلقه الحال حتّى ارتعدت فرائصه؟! أهو زهير بن القين الذي وضع يده على منكب الحسين وقال مستأذناً:
إقدِم هُدِيتَ هَادِياً مَهدِيا فَاليَومَ أَلقى جَدّكَ النَبّيا!
أم ابن عوسجة الذي يوصي حبيب بن مظاهر بنصرة الحسين وهو في آخر رمق من الحياة، فكأنّه لم يقنعه عن المفادات كُلّ ما لاقاه من جهد وبلاء؟!
أم أبو ثمامة الصائدي الذي لم يهمّه في سبيل السير إلى ربِّه سبحانه، كُلّ ما هناك من فوادح وآلام إلاّ الصلاة التي دنا وقتها، فقال للحسين: " نفسي لك الفداء، إنّي أرى هؤلاء قد اقتربوا منك، ولا واللّه لا تُقتل حتّى أُقتل دونك، وأحب أن ألقى اللّه وقد صلّيت هذه الصلاة التي دنا وقتها، فقال الحسين: " ذكرت الصلاة جعلك اللّه من المصلّين الذاكرين "(284)؟!
أم سعيد الحنفي الذي تقدّم أمام الحسين وقت الصلاة واستهدف لهم، فأخذوا يرمونه بالنبل يميناً وشمالاً، حتّى سقط لكثرة نزف الدم(285)، فقال للحسين: أوفيت يابن رسول اللّه؟! قال: " نعم، أنت أمامي في الجنّة "؟!
أم ابن شبيب الشاكري الذي ألقى جميع لامته لتقرب منه الرجال، فيموت، في حين نرى الكماة الأبطال المعروفين بالشجاعة والإقدام يتدرعون للحرب كي لا يخلص إليهم ما يزهق نفوسهم؟!
أم الغفاريان اللذان استأذنا الحسين في الحملة وهما يبكيان، فقال (عليه السلام) لهما: " ما يبكيكما، فواللّه إنّي لأرجو أن تكونا بعد ساعة قريري العين "؟!
فقالا: ما على أنفسنا نبكي، ولكن نبكي عليك أبا عبد اللّه، نراك قد أُحيط بك ولا نقدر على الدفع عنك، والذب عن حرمك "(286)، فجزّاهما الحسين خيراً؟!
وإذا تأمّلنا قول الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام): " إنّ أصحاب جدّي الحسين لم يجدوا ألم مسّ الحديد "(287)، وضحَ لنا ما عليه أُولئك الأطايب من الثبات، وأنّهم غير مكترثين بما لاقوه من ألم الجراح، ولعاً منهم بالغاية، شوقاً إلى جوار المصطفى.
ولا يستغرب هذا من يعرف حالة العاشق، وأنّه عند توجّه مشاعره نحو المحبوب لا يشعر بكُلِّ ما يلاقيه من عناء ونكد، حكى المؤرّخون أنّ عزّة دخلت على كثير الشاعر وهو في خبائه يبري سهاماً له، ولما نظر إليها أدهشه الحال، وأبهره الجمال، فأخذ يبري أصابعه، وسالت الدماء، وهو لا يحسّ بالألم(288).
وأكبر مثال على ذلك حكاية الكتاب المجيد حالة النسوة حينما شاهدن جمال الصدّيق يوسف (عليه السلام)، فقال تعالى: { فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَـذَا بَشَرًا إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ }(289).
وإذا كانت النسوة لم يشعرن بألم قطع المدية أيديهنّ، لمحض جمال الصديق، فليس من الغريب ألا يجد أصحاب الحسين (عليه السلام) ـ وهم زبد العالم كُلِّه ـ ألم مسِّ الحديد عند نهاية عشقهم لمظاهر الجمال الإلهي، ونزوع أنفسهم إلى الغاية القصوى من القداسة بعد التكهرب بولاء سيّد الشهداء (عليه السلام).
هذا ما عليه الأصحاب من سرّ المفادات، وقد كان مُرشدهم إلى ذلك، والمقدّم فيهم (حامل اللواء)، إذا لم يكن هياباً بما شاهده من لغط، وصخب، وضوضاء، وصهيل، وجحفل مجر، يتبعه جيش لجب، وقد أخذ ابن ميسون عليهم أقطار الأرض وآفاق السماء.
بِجَحافِل بالطّف أُولهَا وأخيرُهَا بالشّامِ مُتصلِّ
فلا يرى إلاّ وجوهاً عابسة، كُلّ يتحرّى استئصال شأفة الإمامة، وإزهاق من يجنح إليها، و" قمر الهاشميين " أسرة وجهه، تشرق كالبدر المنير ; لأنّه (عليه السلام) يجد ببصيرته الهادية له إلى المفادات قرب الأجل المضروب، وحصول الضالة المنشودة، وهذا كُلّه بعد العلم بأنّه إذا فارق أخاه في ذلك الموقف يكون في سعة من الخطر.
وأنا لكبر موقفه وثباته حينما قال لهم أبو عبد اللّه (عليه السلام): " هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً، فأنتم في إذن منّي، فإنّ القوم لم يطلبوا غيري، ولو ظفروا بي لذهلوا عن طلب غيري، وليأخذ كُلِّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي، وتفرّقوا في سوادكم هذا "(290).
هنا كان لعبّاس الشرف والحفاظ موقفه المشهود الذي أظهر فيه من قوّة الإيمان، وغزارة العلم، وعوامل الشهامة، ما أوقف جوالة الفكر، وحيرة نفاذة الحلم، حيث ابتدر الجماعة بقوله: " ولِمَ نفعل ذلك لا أبقانا اللّه بعدك "؟! وتابعه الهاشميّون الصفوة والصحب الأكارم، متخذين قوله حقيقة راهنة، من معلم هذّبته المعرفة، وبصّرته التجارب، وإنّه لم يرد بقوله إلاّ التضحية الخالّصة، والسعادة الخالدة، فأجابوا بما انحنت عليه الأضالع من إيثار موتة العزّ دون سبط الرسول على حياة مخدجة بعده، وإن كانت محفوفة بنعومة من العيش.
فقال آل عقيل: " قبّح اللّه العيش بعدك، نفديك بأنفسنا وأهالينا ".
وقال ابن عوسجة: " لو لم يكن معي سلاح لقذفتهم بالحجارة حتّى أموت دونك ".
وقال سعيد الحنفي: " أنحن نخلّي عنك؟! لا واللّه حتّى يعلم اللّه أنا قد حفظنا وصيّة رسول اللّه فيك، ولو علمت أنّي أُقتل ثُمّ أُحيى، ثُمّ أُقتل، ثُمّ أُحرق حيّاً، ثُمّ أُذرى يفعل بي سبعين مرّة ما فارقتك حتّى ألقى حمامي دونك. وكيف لا أفعل ذلك وإنّما هي قتلة واحدة، ثُمّ هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً ".
وتكلم الجماعة بما يشبه ذلك(291).
فأجَادُوا الجَوابَ واختَرطُوا البيـ ـضَ اهتَياجَاً إلى جِلادِ الأعَادِي
وانثَنَوا للوغَى غِضَابَ أُسود عَصِفتْ فِي العَديِ بصَرصِر عَادِ
حَرسِوُه حتّى احتسُوا جُرعِ المَو تِ ببيضِ الضَبَا وسُمرِ الصِعَادِ
سَمحَوُا بالنُفُوسِ فِي نُصرةِ الدِ ينِ وأدّوا فِي اللّهِ حَقّ الجِهَادِ
وبعد أن عرف الحسين منهم صدق النيّة والإخلاص في المفادات أوقفهم على غامض القضاء، وقال: " إنّي أُقتل وكلّكم تقتلون، حتّى القاسم وعبد اللّه الرضيع، إلاّ السجّاد، فإنّه أبو الأئمة "، ثُمّ كشف عن أبصارهم، فرأوا ما حباهم اللّه من نعيم الجنّان، وعرفهم منازلهم فيها(292).
وليس ذلك في القدرة الإلهية بعزيز، ولا في تصرّفات الإمام بغريب، ولقد حكى المؤرّخون وقوع نظير هذا لسحرة فرعون لمّا آمنوا بموسى (عليه السلام) وأراد فرعون قتلهم، فإنّهم شاهدوا منازلهم في الجنّة(293).
الأمان
لم تزل هذه الفضيلة نفسية أبي الفضل في جميع مواقفه عند ذلك المشهد الرهيب، لاسيّما حين بلغه كتاب عبيد اللّه بن زياد بالأمان له ولإخوته الذي أخذه عبد اللّه بن أبي المحل بن حزام، وكانت أُم البنين عمّته، وبعثه مع مولاه كزمان، فلمّا قدم كربلاء قال للعباس وإخوته: " هذا أمان من ابن زياد، بعثه إليكم خالكم عبد اللّه! فقالوا له: أبلغ خالنا السلام وقل له: لا حاجة لنا في أمانكم، أمان اللّه خير من أمان ابن سميّة "(294).
كيف يتنازل أبو الفضل للدنية وهو ينظر بعين غير أعين الناس، ويسمع بأُذنه الواعية غير ما يسمعونه، يشاهد نصب عينه الرضوان الأكبر مع " خلف النّبي المرسل "، ويسمع هتاف الملكوت من شتى جوانبه بالبشرى له بذلك كُلِّه عند استمراره مع أخيه الإمام.
نعم، وجد " عباس المعرفة " نفسه المكهربة بعالم الغيب، المجذوبة بجاذب مركز القدّاسة إلى التضحية دون حجّة الوقت لا محالة، فرفض ذلك الأمان الخائب إلى أمان الرسول الأعظم.
وهنالك طمع الشمر فيه وفي إخوته أن يفصلهم عن مستوى الفضيلة، فناداهم: أين بنو أُختنا؟ أين العبّاس وإخوته؟ فاعرضوا 
عنه، فقال الحسين: " أجيبوه ولو كان فاسقاً ".
قالوا: ما شأنك؟ وما تريد؟
قال: يا بني أُختي، أنتم آمنون، لا تقتلوا أنفسكم مع الحسين، والزموا طاعة أمير المؤمنين يزيد.
فقال له العبّاس: لعنك اللّه ولعن أمانك، تؤمننا وابن رسول اللّه لا أمان له(295)؟! وتأمرنا أن ندخل في طاعة اللعناء وأولاد اللعناء، فرجع الشمر مغضباً(296).
إنّ هذا الجلف الجافي قد أساء الظنّ بهؤلاء الفتية نجوم الأرض من آل عبد المطلب، فحسب أنّهم ممّن يستهويهم الأمن والدعة، أو تروقهم الحياة مع أبناء البغايا، هيهات! خاب الرّجس ففشل، واخفق ظنّه، وأكدى أمله، ولم يسمع في الجواب منهم إلاّ لعنك اللّه، وتبّت يداك، ولعن ما جئت به.
وحيث إنّ ابن ذي الجوشن يفقد البصيرة التي وجدها أبو الفضل، والنفسية التي يحملها، والسؤدد المتحلّي به، والحفاظ اللائح على وجناته ; طمع أن يستهوي رجل الغيرة ويجرّه إلى الخسف والهوان والحياة مع الظالمين.
أيظنّ أن أبا الفضل ممن يستبدل النور بالظلمة، ويستعيض عن الحقّ بالباطل، ويدع علم النبوّة، وينضوي إلى راية ابن مرجانة؟!
كلاّ 
ولمّا رجع العبّاس وإخوته إلى الحسين واعلموه بما أراده الماجن منهم، قام زهير بن القين إلى العبّاس حدّثه بحديث، قال فيه:
إنّ أباك أمير المؤمنين (عليه السلام) طلب من أخيه عقيل ـ وكان عارفاً بأنساب العرب وأخبارها ـ أن يختار له امرأة ولدتها الفحولة من العرب، وذوو الشجاعة منهم، ليتزوّجها، فتلد غلاماً فارساً شجاعاً، ينصر الحسين بطفّ كربلا، وقد ادّخرك أبوك لمثل هذا اليوم، فلا تقصّر عن نصرة أخيك وحماية إخوتك ".
فغضب العبّاس وقال: " يا زهير، تشجّعني هذا اليوم، فواللّه لارينّك شيئاً ما رأيته "(297).
فجدل أبطالاً، ونكّس رايات في حالة لم يكن همّه من القتال، ولا منازلة الأبطال، بل كان همّه إيصال الماء إلى أطفال أخيه، ولكن لا مردّ للقضاء، ولا دافع للأجل المحتوم.
ولا يَهمّهُ السّهامُ حَاشَا مَِن هَمّه سِقايَةُ العُطَاشَا
فَجادَ باليَمِينِ والشِمَالِ لِنُصرةِ الدِينِ وحِفظِ الآلِ
المواساة
لا يسع الباحث في حديث مشهد الطفّ المقدر فيه (قمر بني هاشم) حقّ قدره إلاّ البخوع له بتحقيق هذه الغريزة الكريمة، أعني المواساة بأجلى مظاهرها، وأنت إذا أعرت لما أفضنا القول في البصيرة أُذناً واعية عرفت كيف كان مقامه مع أخيه سيّد شباب أهل الجنّة، وإيثاره التفاني معه على الحياة الرغيدة، وتهالكه في المفادات، منذ مغادرته الحجاز إلى هبوطه أرض كربلا، وحتّى لفظ نفسه الأخير تحت مشتبك النصول، فلا تجد مناصاً عن الإذعان بأنّه (عليه السلام) كان على أعلا ذروة من المواساة لأخيه الإمام، يربوا على المواسين معه جميعاً ; لأنّ مواساته كانت عن بصيرة، هي أنفذ البصائر يومئذ، بشهادة الإمام الصادق (عليه السلام): " كان عمّنا العبّاس نافذ البصيرة، صلب الإيمان "(298).
وقد شهد له بهذه المواساة إمامان معصومان، واقفان على الضمائر، ويعرفان مقادير الرجال، فيقول الحجة عجّل اللّه فرجه في زيارة الناحية: " السلام على أبي الفضل العبّاس، المواسي أخاه بنفسه، الآخذ لغده من أمسه، الواقي له، الساعي إليه بمائه، المقطوعة يداه. لعن اللّه قاتله يزيد بن الرقاد الجهني، وحكيم بن الطفيل السنبسي الطائي ".
ويقول الصادق (عليه السلام) في الزيارة المتلوة عند ضريحه الأقدّس: " أشهد لقد نصحتَ للّه ولرسوله ولأخيك، فنعم الأخ المواسي " فجعل (عليه السلام) الشهادة له بالمواساة المنعم بها نتيجة نصحه للّه الذي هو مقتضى دينه ويقينه، ونصحه لرسول اللّه الذي هو تمام التوحيد، والنصح لأخيه الإمام الذي هو الجزء الأخير للعلّة، وبه كمال الدين وتمام النعمة { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي }(299)، وبه قبول الأعمال.
" لو أنّ عبداً صام وصلّى وزكّى ولم يأتِ بالولاية ما قبل اللّه له عملاً أبداً "، فرضى الربّ والرسول وطاعتهما منوطان بطاعة ولي الأمر { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ }(300).
فأراد الإمام الصادق بذلك الخطاب أنّ نصح " عباس الهداية " لأخيه المظلوم على حدّ نصحه للّه ولرسوله، مع حفظ المرتبة في كُلِّ منهما، فالطاعة شرع سواء في الثلاثة، تحت جامع واحد، هو وجوب الخضوع لهم، والتسليم لأمرهم، غاية الأمر تختلف المراتب، فإنّه تجب الطاعة أولاً وبالذات بالنسبة إليه سبحانه وتعالى، وبما أنّ الرسول مبعوث من قبله وجبت بالنسبة إلى الرسول، وبما أنّ الإمام خليفة لهذا المبعوث المرسل لعدم بقائه إلى الأبدّ، وعدم إهمال العباد كالبهائم، وعدم وضوح الكتاب المجيد، لوجود المخصص والمقيد، والناسخ والمتشابه، وعدم 
وفائه بالأحكام الشرعية بالبداهة ; وجب على الأُمة إطاعة هذا الإمام، فالمراد من المؤمنين في هذه الآية ومن أُولي الأمر في قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ }(301)، شيء واحد، وقد انحصر مصداقه في سيّد الوصيين وأبنائه المعصومين الأحد عشر بالتواتر عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
فالنصح الذي أشار إليه الإمام في الزيارة هو لازم تلك الطاعة ومقتضى الولاية، تحت جامع واحد، وهو لزوم مناصرة الدين والصادع به، المنبسط على ذات الباري تعالى والرسول والإمام كُلِّ في مرتبته.
وقد أفادنا هذا الخطاب أنّ مفادات أبي الفضل ومواساته لم تكن لمحض الرحم الماسة والإخاء الواشج، ولا لأنّ الحسين (عليه السلام)سيّد أُسرته، وكبير قومه، وإن كان في كُلّ منها يمدح عليه هذا الناهض، لكنّها جمعاء كانت مندكة في جنّب ما أثاره " عباس البصيرة " من لزوم مواساة صاحب الدين، والتهالك دون دعوته، سواء كانت المفادات بعين المشرع سبحانه، أو تحت راية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، أو إمام الوقت، وكُلّ بعين اللّه وعن مرضاته جلّ شأنه، وقد اجتمعت في مشهد الطفّ تحت راية الحسين (عليه السلام).
إنّ من الواجب إمعان النظر في عمله الناصع حين ملك الشريعة فاغترف غرفة من الماء ليشرب، ولكن الزمه حقّ اليقين، وقوّة الإيمان أن ينفض الماء من يده، حيث لم يَر له مساغاً في التأخير عن سقاية حجّة الوقت الإمام المعصوم، وحرم النبوّة، ولو 
بمقدار التروي من الماء هنيئة، بل عرف أنّ الواجب عليه الإبقاء على مهجة خليفة الرسول بسقايته ولو في أن يسير، إذ الحالة شرع سواء بين قليل الزمان وكثيره، ولذلك نسب فعله هذا إلى الدين حيث يقول: " تاللّه ما هذا فعال ديني ".
على أنّ شيخنا العلاّمة الشيخ عبد الحسين الحلّي يحدّث في النقد النزيه ج1 ص100 عن فخر الذاكرين الثقة الثبت الشيخ ميرزا هادي الخراساني النجفي نقلاً عن " عدّة الشهور " أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) دعا العبّاس وضمّه إليه، وقبّل عينيه، وأخذ عليه العهد إذا ملك الماء يوم الطفّ أن لا يذوق منه قطرة وأُخوه الحسين عطشان. فقول أرباب المقاتل: نفضَ الماء من يده ولم يشرب إنّما هو لأجل الوصيّة من أبيه المرتضى.
لَم يَذُق الفُراتَ أُسوةُ بِهِ ميمَمَاً بمائِهِ نَحوُ الخِبَا
لَم يَرَ فِي الدِينِ يَبلُ غُلةِ وصُنُوه فيِهِ الظَمَا قَد الهَبَا
والمُرتَضى أَوصَى إليهِ فِي ابنِهِ وصيّة صَدّتُهُ عَن أن يَشرَبَا
لذَاكَ قَد أسنَدَهُ: لِديِنِه وعَن يَقيِنِ فِيهِ لَن يَضطَرِبَا
هَذا مِن الشّرعِ يَرى فِعلتَهُ ومِن صِراطِ أحمَدَ مَا ارتَكَبَا
وَمِثلُه الحُسيِنُ لَمّا مَلكَ المَاءَ فَقِيلَ رَحلُه قَد نُهِبَا
أمَّ الخِيّامَ نَافِضَاً لِمضائهِ إذ عَظُمَ الأمرُ بِهِ واعَصُوصَبَا
فَكانَ للعَبّاس فِيهِ أُسوةٌ إذ فَاضَ شَهمَاً غَيرَ مَفلُولِ الشِبَا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://norforward.yoo7.com
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

حياة العبّاس بن علي علیه السلام - الجزء السادس :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

حياة العبّاس بن علي علیه السلام - الجزء السادس

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» حياة العبّاس بن علي علیه السلام- الجزء الثالث
» حياة العبّاس بن علي علیه السلام - الجزء الخامس
» حياة العبّاس بن علي علیه السلام

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
نور الأئمة عليهم السلام :: الفئة الأولى :: أبو الفضل العباس بن أمير الؤمنين علي بن أبي عليهم السلام-
انتقل الى: